صدقني لا تحتاج لتكون قائدًا ناجحًا ، أو عالمًا فذًا ،
وليس ذلك شرطًا في عبوديتك
مهم أنك تكون عبد لله ،
وممكن تؤثر تأثير أعظم مما تتخيل ،
مثلًا تأثيرك وأنت طالب لا يقل عن تأثير المعلم في التعليم ،
فتستطيع النفع على كل المستويات ،
فهذا جِبْرِيل عليه السلام جاء ليعلم الناس الدين ، ولكنه هذه المرة جاء ليقف في صفوف المتعلمين ، وكان تأثيره من داخل صفوف المتعلمين عظيم ،
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان ، وهو في صفوف المتعلمين ،
ثم انصرف ،
وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا جِبْرِيل جاء يعلمكم دينكم ،
مع أنه عندما جاء في هيئة المتعلم ،
فجاء في هيئة المتعلم ليُعلّم ،
فما أكثر ما يتعلم الناس من الطلاب ،
وما أكثر ما يفتح على يد الطلاب ما لا يفتح على غيرهم ،
وما أكثر ما تتغير الأمة بطلابها وجنودها أكثر من قادتها وزعمائها،
وفي الدعوة نستطيع خدمة الدعوة ونحن في صفوف الناس أكثر مما نتخيل،
انظر وتأمل معي هذا الذي أحبه الله عز وجل ،وارتضاه نموذجًا في القرآن الكريم ،
رجل من وسط الناس ليس ، من القادة ولا الزعماء ، إنما رجل عادي ،
لكنه اجتهد ليحرّك أمة ، ليس لأنه قائد وإنما لأنه تابع مميز ، وكفء
عندما كذب القوم ثلاثة أنبياء ، وقف هو ينادي ،
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
[يس 20-22]
نادى بأعلى صوته ، وقدم نموذجًا في وسط الناس ،
وما أحوجنا إلى هذا الآن،
إن احتياجنا إلى من يتحرك وسط الناس بالدِّين لا يقل عن احتياج الأمة إلى دعاة مخلصين ،
إن الاحتياج إلى الجنود للدين الذين أمامهم النبي صلى الله عليه وسلم أكد من الاحتياج إلى القادة ،
فإن المجتمع الذي فيه جنود أكفاء ، يخرج منه قادة أكفاء ،
وقد روي أنه وقف رجل يسال على
بن أبي طالب يومًا عن الفتن وازديادها في عصره ، في حين لم تكن في عهد الصديق فتن ،
فأجاب إجابة في غاية الأهمية والفقه ،
فقال :إن أبا بكر كان يحكم أمثالي وأنا أحكم أمثالك،
العيب الحقيقي كان في الجند ، في كفاءة الامتثال لأمر الله ،
فلما كان الجندي من أمثال علي بن أبي طالب ، كان العز والخير ،
ولما كان الجند من أمثال الشيعة والخوارج ، كانت الفتن والمصائب في عهد علي بن أبي طالب كثيرة،
وهذا نبي الله موسى عليه السلام ، رغم قوة عزيمته إلا أنه لما لم يجد من يتحمل من بني إسرائيل
فمات عليه السلام في التيه ،ليس لأنه لا يستحق النصر ، بل هو من أكبر خمس عزائم في تاريخ البشرية في رضا الله ،وإنما لأنه لا نصرة له ،ولا جند أكفاء ، فلقد عصاه اتباعه،
قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)
[المائدة 24]
ولهذا لا غنى عن تربية جيل يعيش طبيعيًا ،
يمشي في الأسواق بين الناس بالخير والدين والنفع والحق ،
لا يخاف إلا من الله ،
جنود للحق ، يبذلون ،ويجتهدون ،يجهرون بالحق ،يحيي الله عز وجل بهم قلوب أمّم ،
لا تحتقر دورك، وافعل شيء لدينك.