مراعاة الفروق الفردية و الاستمرار عليها،
قاعدة علّمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم،
عليكم من الأعمال ما تطيقون،
استمروا مهما حدث،
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ،
فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ حَتَّى كَثُرُوا،
فَأَقْبَلَ فَقَالَ : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ؛
فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا،
وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ، وَإِنْ قَلَّ “.
قال بن حجر :
( وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام )، أي: ما استمر في حياة العامل، وليس المراد حقيقة الدوام التي هي شمول جميع الأزمنة،
ووقع في رواية الكشميهني: ” ما داوم “، أي: ما داوم عليه العامل.
إن التجارب التربوية و السلوكية لا ينبغي أن تُعمّم إلا بالقدر الذي جعله الشرع عام ،
وهذا من التحديات التي تواجه الدعاة ،
حيث أنه يرسم نموذجه التربوي على تجربته أكثر مما يبنيها على استقصاء شرعي و بحث منهجي في الوحي،
فهناك فرق بيم ما ينبغي أن يكون عامًا،
و ما ينبغي أن يكون تجربة تناسب البعض دون الآخرين
فيُفتي هذا بتجربته الشخصية ،
دون مراعاة أن ما يناسبه كفرد لا يناسب غيره
وأن النموذج الذي يُعمم هو نموذج النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي العلاء عن رجل قال أتيت تميما الداري فحدثنا
فقلت كم جزؤك ؟
قال لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن
ثم يصبح فيقول قد قرأت القرآن في هذه الليلة ( فوالذي نفسي بيده )
لأن أصلي ثلاث ركعات نافلة أحب إلي من أن أقرأ القرآن في ليلة ثم أصبح فأخبر به ،
فلما أغضبني،
قلت والله إنكم معاشر صحابة رسول الله ﷺ من بقي منكم لجدير أن تسكتوا فلا تعلموا ،
وأن تعنفوا من سألكم،
فلما رآني قد غضبت لان ،
وقال ألا أحدثك يا ابن أخي
أرأيت إن كنت أنا مؤمنًا قويًا وأنت مؤمن ضعيف فتحمل قوتي على ضعفك فلا تستطيع فتنبت،
أو
رأيت إن كنت أنت مؤمنًا قويًا وأنا مؤمن ضعيف ( حين أحمل قوتك على ضعفي فلا أستطيع فأنبت )،
ولكن خذ من نفسك لدينك،
ومن دينك لنفسك،
حتى يستقيم لك الأمر على عبادة تطيقها.
هذا صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يُفهّم السائل أن لكل إنسان قدرة عليه أن يراعيها و عبودية عليه أن يحققها ،وأن الناس تتفاوت في ذلك،
روي قرة عن ابن سيرين قال جمع القرآن على عهد رسول الله أبي وعثمان وزيد وتميم الداري،
وروى أبو قلابة عن أبي المهلب كان تميم يختم القرآن في سبع،
وروى عاصم الأحول عن ابن سيرين أن تميما الداري كان يقرأ القرآن في ركعة،
وروى أبو الضحى عن مسروق قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري صلى ليلة حتى أصبح أو كاد يقرأ آية يرددها ويبكي
” أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات “
( الجاثية 20 )
وعن المنكدر بن محمد عن أبيه أن تميما الداري نام ليلة لم يقم يتهجد فقام سنة لم ينم فيها عقوبة ( للذي صنع )
وعن عبد الرحمن أن تميما استأذن عمر في القصص سنين ويأبى عليه فلما أكثر عليه
قال ما تقول؟
قال أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير وأنهاهم عن الشر
قال عمر :ذاك الربح ،
ثم قال :عظ قبل أن أخرج للجمعة ،
فكان يفعل ذلك فلما كان عثمان استزاده فزاده يومًَا آخر،
وعن وبرة قال رأى عمر تميما الداري يصلي بعد العصر
فضربه بدرته على رأسه،
فقال له تميم يا عمر تضربني على صلاة صليتها مع رسول الله ﷺ
قال يا تميم ليس كل الناس يعلم ما تعلم،
تميم كان صاحب عبادة وتأله،
ومع ذلك لم يفرح بتقليد الناس له فيما لا يطيقون ،
إنما حمل الناس على فهم سنن الله في تفاوت قدرتهم و تفاوت عبودياتهم وتكليفهم بالأمور الشرعية و تفاوت نفوسهم في العبودية،
فاجتهد أن تكون أنت،
أنت أنت،
( عليكم من الأعمال ما تطيقون )
اعرف عبوديتك ولا تقف،
استمر.