مقدمة:
١) الذي عنده مشكلة لن يستطيع غالبًا النقاش في هذا الموضوع بعدالة لأنه سيكون متأثر بحاله وبالظلم الواقع عليه.
٢) دائمًا المشكلة تحدث في السنين الأُول وليس بعد عشرين وثلاثين سنة من الزواج حيث يكون العفش متهالك ولا يبحث عنه أحد، إنما تتفجر أزمة قائمة المنقولات في السنين الأولى من الزواج حيث يحاول كل طرف أن ينتقم ويحدث أكبر نكاية في الطرف الآخر أو لأنه محتاج للعفش الجديد (الرجل ليتزوج عليه والمرأة لتعيش عليه وهو حقها بلا ريب إن كان جزء من صداقها، ويمكن الحصول عليه بدون إجحاف لحق الرجل ولا ظلمه).
وتفصيل ذلك:
قال -تعالى-: ﴿وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا﴾
[النساء: ٤].
إن المهر هو عطية من الزوج للمرأة، يُستحق كاملًا بإرخاء الستر، ويُستحق بالمناصفة بالعقد دون الدخول بالمرأة، وهو شرط في صحة الزواج، ومن لم يُفرض لها صداق، يكون لها مهر المِثل من النساء، وهو متفاوت من بيئة لأخرى، والمستحب فيه أن يكون بسيط، وعقد المهر عقد هبة أو عطيّة.
قال -تعالى-: {وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ}، فنسب الصداق للنساء وفي معنى نحلة أربعة أقوال، أحدها أنها بمعنى الفريضة، قاله ابن عباس، وقتادة، وابن جريج، وابن زيد، ومقاتل.
والقول الثاني: أنها الهبة والعطية، قاله الفراء. وقال ابن الأنباري: كانت العرب في الجاهلية لا تعطي النساء شيئًا من مهورهن، فلما فرض الله لهن المهر، كان نحلة من الله، أي: هبة للنساء، فرضًا على الرجال. وقال الزجاج: هو هبة من الله للنساء. وقال القاضي أبو يعلى: وقيل: إِنما سمي المهر: نحلة، لأن الزّوج لا يملك بدله شيئًا، لأن البضع بعد النكاح في ملك المرأة، ألا ترى أنها لو وُطئت بشبهة، كان المهر لها دون الزوج، وإِنما الذي يستحقه الزوج الاستباحة، لا الملك.
والقول الثالث: أنها العطية بطيب نفس، فكأنه قال: لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون، قاله أبو عبيدة.
والقول الرابع: أن معنى {النحلة}: الديانة، فتقديره: وآتوهن صدقاتهن ديانة، يقال: فلان ينتحل كذا، أي: يدين به، ذكره الزجاج عن بعض العلماء. [تفسير زاد المسير]
وتمليك المرأة لشيء معين من ذهب أو منقولات وعفش وضمان حقها في مهرها يختلف عن موضوع قائمة المنقولات، والتي هي عقد الأمانة أو كتابة دَين على الرجل بشيك أو ورق على بياض أو كتابة ورقة فحواها أن الزوج له الانتفاع بالعفش المشروط بإعادة الدفع عند النزاع وهو مقتضى القائمة في شتى أحوالها، وهذا لا علاقة له بالهبة ولا حقَّقَّ المقصود الشرعي من الصداق والهبة من الرجل للمرأة في النكاح واستحلال الفرج الحلال.
وعن شبهة أن (ورقة قائمة المنقولات جزء من مهر الزوجة تضمن به حقها)، أقول أن هذا تلبيس، فأنا أتفق أنه على المرأة أن يُكتب لها صداق مقدم أو مؤخر أو كلاهما على ما اتفقا عليه، وأقرر أن لها ذمة مالية خاصة لابد أن تُحترم، وأقرر أن هناك ظلم في المجتمع بين الرجال والنساء ومَن لا يراعي الله -عز وجل-، ولكن لا أتفق أن يُحل الظلم بالظلم، فالظلم لا يُعالج إلا بالعدل، قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ﴾ [النساء: ١٣٥].
ما دمنا متفقين على حفظ حقوق المرأة والرجل، وعلى عدم إجحاف أحدهما، فلماذا نستحدث على الرجل دين أو أمانة (قائمة المنقولات) هو دفَعَها مسبقا لزوجته، ونجعل ذلك كأنه كتـابة المهر والإشهاد عليه، فهناك فرق بين الإشهاد على الهبة، أو نقل الملكية من الرجل للمرأة -وهو مقتضى المهر الحلال-، وبين أن أحدهم يشترى عفش بمبلغ ثم يكتب على نفسه دين أو وصل أمانة أنه مطالب به مرة أخرى بعد أن أعطاه لزوجته.
مثال للتوضيح:
لو أن رجلًا أعطى لزوجته مائة ألف جنيه صداق لها وتزوجها، هل يحق لها أن تكتب عليه وصل أمانة بمبلغ المائة ألف جنيه الذي أعطاها إياها كمهر (صداق) قبل الزواج، تحت زعم أنّ المال الذي أعطاها إياه موجود في الشقة وهو رب الأسرة وقائم عليها وهي تريد أن تضمن ألا يتصرف فيها بغير إذنها -يعني بعد أن يعطيها المال يكون مدين بالمال مرة أخرى أو قيمته بالذهب-؟ سيكون هذا إجحاف، لأن الرجل أعطاها المال وتملكته ولها كامل الحرية والتصرف فيه، فلماذا يكتب الرجل على نفسه وصل أمانة بشيء هو دفعه؟ ولماذا يكتب على نفسه ورقة أنه مدين بهذا المبلغ وقد أهداه إلى زوجته قبل ذلك كمهر؟
ربما يقول أحدهم لابد من ضمان حق المرأة في العفش أو في المال الذي أعطاها الرجل إياه على أنه مهر لأن هناك من الأزواج من يعود ليأخذه منها بعد الزواج أو يطالبها أن تعطيه إياه، ويفعل بعض الرجال هذا، وتستحى المرأة من قول لا، لأنها تساعد زوجها آنذاك بصداقها ومهرها فكيف تضمن المرأة حقها؟ أقول لك: نعم لا بد أن تضمن المرأة حقها في تمّلُك مهرها كاملًا، ولا بد أن يُعلن ذلك، ولا بد من الاعتراف بأن للمرأة ذمة مالية منفصلة عن زوجها، وأن لها كامل الحرية والتصرف في مهرها ومالها باختيارها، ومن ذلك أنها إذا تصرفت فيه بعطاء لزوجها أو قرض له أو غير ذلك برضاها فإن عقدها صحيح بلا مواربة، ولكن لا ينبغي أن تعطي المرأة لزوجها عند الرخاء ثم عند الأزمة تطالبه بما أعطته عن طيب خاطر وتدّعي أن ذلك كان تحت ضغط، ويقف وليُها ليعلن ذلك وكأنها ليس لها ذمة مالية منفصلة.
ولكن هل يلزم من ضمان حقها في تملك مهرها من كتابة وصل أمانة على زوجها أو شيك على بياض أو ورقة أنه مديون لها بالمهر الذي دفعه مسبقًا؟ لا، لا يلزم، بل هو تلبيس وخلط، فضمان حقها لا يستلزم وصل أمانة بقائمة المنقولات وإنما يمكن الاستعاضة عن ذلك بكتابة فواتير العفش باسمها، وكذلك فواتير الذهب باسمها، وإعلان ذلك، أو إقرار كتابي أن مهرها أخذته وهو مكون من كذا وكذا الموجود بكذا، ولو سرقه الزوج أو أخذه بغير علمها فإن لها أن تتصرف كيف شاءت كما لو سُرقت لأنه سيكون لص أخذ مالها بغير حق ولا إذن، وهذا ليس في المهر فقط بالمناسبة، إنما لو لها مثلًا عقار أو مال وأخذه الزوج بغير إذنها فإن لها أن تقاضيه.
فضمان الحقوق ضد ظلم بعض الأزواج لا يستلزم ولا يُعالج بإجحاف لجميع الأزواج وتغيير صفة الصداق من هبة وهدية إلى وصل أمانة ودين في حق الرجل مع أنه دفعه مسبقًا.
ولا يخفى أنه عند النزاعات يحكم القاضي بل والمجلس العرفي بل والشرعي بكافة القائمة للزوجة لأنه استحل به الفرج ولو لليلة واحدة، ولكن يحدث الإشكال الأكبر عند الخلع وطلب المرأة الطلاق بغير ضرر وهو كثير في هذه الأيام لانتشار الخطابات المؤججة للصراعات البيتية ولانتشار التصورات الوهمية، فيحكم القاضي بخلعها وفي هذه الحالة ينبغي أن ترد المرأة الصداق للزوج، ولكن هنا تُعتبر القائمة دين على الرجل، وكذلك عند موت الزوجة لا يُورث العفش والقائمة كجزء من أملاكها، فيختلف التوصيف على حسب الحالة، وهو ما يخالف المهر، فالمهر مهر (الصداق)، والدين والأمانة دين وأمانة.
أخيرا هناك فرق بين محاولة تعديل الواقع على التصور الشرعي الذي لم يجعل هناك على الناس حرج، وبين شرعنة الواقع المختلط الذي يستطيع كل واحد أن يتناوله على الصورة التي يريدها لا الصورة الحقيقية، فالصورة الحقيقية للمهر والتزاماته ليست هي صورة قائمة المنقولات بل بينهما فروق، وصيغة القائمة من كونها عقد أمانة أو شيك على بياض أو دين في حق الرجل دفعه قبل ذلك ليست هي صورة المهر الشرعي الذي دفعه، وخلط الأمر وأخذ جزء من هذا على جزء من هذا ليس صحيح، وتأصيل ذلك وشرعنته ليس صحيح.
د. أحمد سيف الإسلام